Uncategorized

عندما تسقط العلاقات.. لماذا تنهار الروابط التي ظنناها أبدية؟

 

في زمنٍ تتسارع فيه الإيقاعات وتتبدّل فيه المفاهيم، تبدو العلاقات الإنسانية أكثر هشاشةً من أي وقت مضى. فما بين طموحاتٍ تتصادم، ومشاعرٍ تُرهقها التوقعات، وأزمنةٍ تغيرت فيها معايير القرب والبعد، تسقط الكثير من العلاقات التي كنا نظنها لا تُكسر ولا تُنسى.

لكن لماذا تسقط العلاقات؟ ولماذا يفقد بعض الأشخاص القدرة على الاستمرار رغم عمق الحب أو طول العِشرة؟

 

الحقيقة أن سقوط العلاقات لا يحدث فجأة، بل هو نتيجة تراكمات صغيرة، تبدأ من لحظات سوء فهمٍ لم تُصحح، وكلماتٍ لم تُقال في وقتها، واحتياجاتٍ لم تجد من يُصغي إليها. ومع مرور الوقت، تتراكم هذه التفاصيل كغبارٍ على نوافذ الروح، حتى يحجب الضوء تمامًا.

 

في التحليل النفسي، يرى الخبراء أن العلاقات تمر بمراحل نضوجٍ وانكماش، وأن الفشل في التكيّف مع التحولات الطبيعية داخل العلاقة هو أحد أبرز أسباب سقوطها. فالبدايات تكون عادةً مشتعلة بالشغف، لكن الاستمرار يحتاج إلى وعيٍ، ونضجٍ، وقدرةٍ على الاحتواء والتفاهم.

حين يغيب الوعي، يتحول الحب إلى صراع، ويتحول القرب إلى عبء، ويتحول الشريك إلى مرآةٍ تُظهر ما لا نريد أن نراه في أنفسنا.

 

إن العلاقات التي تسقط، ليست بالضرورة علاقات فاشلة، بل ربما تكون قد أدت رسالتها. فبعض العلاقات تأتي لتكشف لنا من نحن، وبعضها لتُعلمنا ما لا نريده، وبعضها الآخر ليمنحنا درسًا في الصبر أو العطاء أو الحدود. ومع ذلك، يظل السقوط مؤلمًا، لأننا لا نخسر الشخص فقط، بل نخسر الصورة التي رسمناها للحياة معه.

 

ويشير علم النفس الحديث إلى أن أحد أهم أسباب انهيار العلاقات هو ضعف التواصل العاطفي. فعندما يتوقف الحوار الصادق، تموت العلاقة ببطء.

التواصل لا يعني فقط الكلام، بل يعني القدرة على الإنصات والتفهم والمشاركة، القدرة على رؤية الأمور بعين الآخر دون أحكام مسبقة.

وحين يغيب هذا التواصل، يصبح الطرفان كجزرٍ متباعدة، يربطها ماضٍ مشترك، لكن يفصلها حاضرٌ صامت.

 

أما السبب الآخر فهو تبدّل الأولويات. في مراحل الحياة المختلفة، تتغير نظرتنا لأنفسنا وللعالم. ما كان يُرضينا في العشرين، قد لا يُرضينا في الثلاثين. وهنا يبدأ الاختلاف في التطلعات والرغبات، ويظهر التباعد العاطفي حتى وإن بقي الشكل الخارجي للعلاقة كما هو.

 

كذلك تلعب الأنانية العاطفية دورًا خفيًا في انهيار العلاقات. حين يسعى كل طرف إلى الأخذ دون العطاء، وإلى إثبات ذاته دون النظر لاحتياجات الآخر، تتآكل الثقة ببطء، حتى تصل العلاقة إلى نقطة اللاعودة.

فالأنانية تُفسد أجمل المشاعر، وتحوّل “نحن” إلى “أنا”، و”الحب” إلى “حسابٍ عاطفي” لا يربح فيه أحد.

 

ومع ذلك، تظل هناك حقيقة لا يمكن إنكارها:

ليس كل سقوطٍ يعني نهاية.

فبعض العلاقات تسقط لتُعيد بناءنا من جديد. تسقط لتكشف لنا أين كنا نُخطئ، وكيف كنا نُحب بطريقة غير ناضجة. وربما تسقط لتفتح لنا بابًا لعلاقة أصدق، أولها مع أنفسنا.

 

إن الوعي العاطفي هو حجر الأساس في بقاء العلاقات.

أن نعي احتياجاتنا، وحدودنا، ومساحاتنا، وأن نمنح الشريك نفس الحق في أن يكون مختلفًا.

أن نُدرك أن الحب لا يُقاس بالمدة، بل بالصدق والنضج والاحترام.

 

وفي النهاية، عندما تسقط العلاقات، لا يعني ذلك أننا فشلنا، بل ربما يعني أننا نضجنا بما يكفي لنعرف من يستحق أن يبقى ومن يجب أن نتركه بسلام.

فبعض النهايات ليست خسارة، بل بداية جديدة في طريق أكثر وعيًا ونقاءً.

 

✍️ بقلم: هويدا احمد

— باحثة في الوعي والعلاقات الإنسانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى